کد مطلب:163910 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:228

دروس من کربلاء
انحراف [بنوا أمیة] لم یكن فقط فی السلطة.. ان انحراف السلطة دلیل انحراف الامة.. ودلیل انحراف المجتمع، وحینها یكون الظالم والمظلوم مشتركین فی الجریمة، الظالم لظلمه، والمظلوم لسكوته علی الظلم.

من الذی قتل ناقة صالح؟

من الذی عقرها؟

رجل واحد فقط هو الذی عقر الناقة وقتلها، ولكن الله عمهم بالبلاء حین سكتوا عنه وعمّوه بالرضی.

من الذی قتل الامام الحسین (ع)؟

رجل واحد..؟

ولكن كل من حضر أرض كربلاء، بل كل من رضی بهذه الغفلة الشنیعة،-نحن نلعنه-.

«ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضیت به».

ألیس كذلك؟

لماذا؟

لان السكوت عن الظلم لا یقل جریمة عن الظلم ذاته والانحراف كان قد بدأ فی الامة الاسلامیة.

أولا: بسكوتهم عن الظلم.

ثانیاً: باستدراج النعم لهم ان صح التعبیر فإنه قد

«ملئت بطونكم حراماً».

هذه الكلمة التی قالها حبیب بن مظاهر، حینما نصح القوم ولم یسمعوا نصیحته، وكذلك كان الامام الحسین علیه الصلاة و السلام یكررها أیضاً.

ماذا تعنی هذه الكلمة؟

تعنی ان الانحراف یؤدی بالانسان الی قتل ابن بنت نبیه، و هولا یبالی، لان أكل الحرام یورث قسوة القلب.

وما هی قسوة القلب.

قسوة القلب تلك التی كانت عند شمر و عند عمر بن سعد، و حرملة.. وقسوة القلب هی ما نراه عند الجلادین الذین یقتلون الشباب المؤمن فی سجون العراق، و فی سجون البحرین، وفی سجون المنطقة، یقتلونهم تحت التعذیب.

لماذا هذا صار قاسی القلب؟

ومتی صار؟

حینما قبل ان یصبح أجیراً عند السلطان الظالم، فهو فی تلك اللحظة أصبح قاسی القلب. وفی تلك اللحظة قام بالجریمة.

الامة الاسلامیة فی عصر الامام الحسین (ع) بدأ انحرافها اقتصادیاً وكانت تحتاج الی صیحة قویة، والصیحة جاءت فی كربلاء من فم الامام الحسین (ع)، بل من نحر الامام الحسین (ع).

قد یسكت الفم ویتفجر دماً ولساناً ناطقاً، كما كان فی كربلاء التی جاءت تقول للناس: انكم انحرفتم مرتین، مرة حین ارتبطتم بالنظام الاقتصادی، تأكلون الحرام «من أجل عشرة» إذ قال بن زیاد ان كل من یذهب الی قتال الامام الحسین (ع) یضاف الی عطاءه عشرة ولم یقل ماذا یعنی بالعشرة، فزعم الناس عشرة دناینیر، فجاءوا الی قتل الامام الحسین (ع)، ثم لما عادوا قالوا، أین العشرة؟، فأعطاهم عشر تمرات وقال: هذه عشرة.

و من هنا یبدأ انحراف الأمة، وانحراف النفس التی تبیع ذاتها بدینار، بل بملیون دینار، هذه النفس لا تساوی فلساً واحداً.

لانه حینما ینزل الانسان لمستوی بیع نفسه فلا فرق بین أن یبیع نفسه بدینار أو بملیون دینار. وشمر بن ذی الجوشن مثال علی ذلك إذ قال لابن زیاد:



املأ ركابی فضة أو ذهبا

لقد قتلت الرجل المحجبا



قتلت خیر الناس أماً وأبا

فقیل له: لم قتلته، اذا كان خیر الناس أماً وأبا؟



فأجابه قائلاً: قتلته لعطائك.

قال له: لا عطاء لك، اذهب!!

هذا معنی الانحراف الاقتصادی أكل الحرام، والتعبیر بالاكل الحرام أفضل من أن أقول الانحراف الاقتصادی، لان الانحراف الاقتصادی یمكن أن یفسره بشیء مختلف، والحرام یعنی أكل ما لا تجوزه الشریعة الاسلامیة

كیف أصبحنا مستعبدین؟

اننا نعرف ان الربا حرام.. وان النظام الرأسمالی البنكی حرام، وكذلك ان العدوان، وأكل أموال الناس بالباطل حرام. فلو رفضنا التعامل مع هذه الانظمة الرأسمالیة الفاسدة، ورفضنا التعاون مع الحكومات الظالمة اقتصادیاً لسقطت هذه الحكومات، ولما استعبدنا، ولما انتهكت حرماتنا، لما سحقت كرامتنا، لانه منذ البدء لم نفهم معنی الانحراف، وماذا نعنی أكل الحرام؟

نعم، بنت الصحابی أبی ذر الصغیرة هی التی عرفت ذلك أحسن منا، حینما جاءت الیها السلطات الفاسدة بعسل، وهی كانت جائعة لم تطعم شیئاً منذ ثلاثة أیام فذاقت العسل قلیلاً، فاذا بأبیها یدخل علیها.

ماذا تفعلین؟

أكلت قلیلاً من هذا العسل؟

أو تعرفین من الذی أرسل هذا؟

قالت: لا

فقال لها ان معاویة هو الذی أرسله.

حینها ذهبت الی طرف ووضعت اصبعها فی حلقها وأفرغت العسل، وأخذت تنشد تلك الابیات المعروفة:



أبالعسل المصفی یابن هند

نبیع علیك إیماناً ودینا



فقد عرفت ان أكل العسل الحرام بدایة الانحراف ومن ثم بیع النفس بدینار، وعرفت الطفلة ذلك بفطرتها البریئة وببصیرتها الدینیة، وبتربیة أبیها لها، لكن أهل الكوفة لم یعرفوا هذا الواقع.

وحینما تجد الامام الحسین (ع) یكرر وأصحابه قصة ثمود فی كربلاء، والامام الحسین (ع) یشبه ابنه الرضیع بناقة صالح لابد أن نعرف ان هناك علاقة بین حركة الامام الحسین (ع) وبین حركة صالح (ع)، لانها نفس الثورة ونفس الحركة.

الترف.. ذلك الابتلاء

أذكر لكم آیات من سورة الشعراء مرة أخری وفی قصة ثمود الذین انحرفوا اقتصادیاً، فانحرفوا سیاسیاً، وأدی بهم ذلك الانحراف الی قتل الناقة، وبالتالی الی عذاب الله الشدید. یقول الله سبحانه وتعالی:

«كذبت ثمود المرسلین - إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون - انی لكم رسول أمین - فاتقوا الله وأطیعون - وما أسئلكم علیه أجر ان أجری إلا علی رب العالمین» (141/145/الشعراء).

الی هنا والرسالة واحدة.

«أتتركون فی ما هاهنا آمنین - فی جنات وعیون وزرع ونخل طلعها هظیم - وتنحتون من الجبال بیوتاً فارهین - فاتقوا الله وأطیعون - ولا تطیعوا أمر المسرفین - الذین یفسدون فی الأرض ولا یصلحون - قالوا إنما أنت من المسحرین - ما أنت إلا بشر مثلنا بآیة ان كنت من الصادقین - قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب یوم معلوم - ولا تمسوها بسوء فیأخذكم عذاب یوم عظیم - فعقروها فأصبحوا نادمین - فأخذهم العذاب ان فی هذا لآیة وما كان أكثرهم مؤمنین» (146/158/الشعراء).

للانحراف الاقتصادی أنواع، نوع عند ثمود، ونوع آخر عند قوم لوط، وكلا النوعین یتشعبان من نقطة واحدة هی الانحراف النظری للمال، ولمهمة الثروة والاسراف فیها، فقوم لوط أسرفوا فی نعم الله، وشذوا عن الطریق وابتلوا بالشذوذ الجنسی وبأنواع أخری من الشذوذ، بینما قوم صالح توالت علیهم النعم، فأصبحت مادة للفساد، ووصلت الی حالة الطبقیة المقیتة، وأما المجتمع الاسلامی فمنذ عصر عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبیر، وطلحة، ومروان بن الحكم، ومعاویة بن أبی سفیان، هذه المجموعة كلها من رؤساء الحزب الاموی الذی ذكرت لكم قد أحاك المؤامرة منذ أیام الرسول (ص) ولم یقل الرسول عبثاً:

«اذا رأیتم معاویة هذا علی منبری فاقتلوه ولن تقتلوه».

هذا الحلف هو أثر علی المسلمین فی فتوحاتهم الاسلامیة للبلاد المختلفة أثراً فاحشاً، حتی ان احدهم كما تعرفون فی التاریخ حینما مات خلف ذهباً كثیراً حتی أن ذهبه قسموه بالفأس.

والآخر لم یمكن احصاء ضیاعه وأمواله، هذا الانحراف فی قمة المجتمع الاسلامی.

ولكن النظام الاقتصادی الفاسد یسعی لربط أموال الناس ومقدراتهم بعجلة الاقتصاد المنحرف، وبذلك یستطیع أن یعبأ ثلاثین ألف انسان مقابل عشرة، ولم یسألوا عن هذه العشرة.

ماذا تعنی؟

یفكرون أنها دنانیر فاذا هی عشر تمرات!

ان هذا النظام متشبع بالفساد الاجتماعی، وبحاجة الی صیحة قویة، بحاجة الی تلك الصیحة التی توقط النائم، لتهز ضمیر المجتمع، كتلك الصیحة التی أطلقها الامام الحسین (ع)